تأتي أهمية هذا البحث من جهة كونه معالجة نقدية لمقالات بدأت تنتشر في واقعنا المعاصر ويؤصل لها، ويحاول إحياؤها من جديد، فالمسلمون استقر لديهم أن لله تعالى صفات الكمال ونعوت الجلال، وأنه في السماء، بائن من خلقه، ثم نجد اليوم من يجعل إثبات العلو لله تعالى على خلقه من التجسيم والقول بالجهة والتحيز، وغير ذلك من المصطلحات البدعية، ساعيًا في هدم المعتقد المستقر لدى عوام المسلمين، الموافق للعقل والنقل والفطرة. في سلسلة من الضلالات التي يراد لها أن تكون منهج (أهل الحق) – زعموا – !
إننا لا ننكر وجود الخلاف بين أهل الحديث والأشعرية، ولا نسعى لطمسه ولا إلى إلغائه، وإنما ندعو إلى ترشيده، وذلك بالمطارحات العلمية الجادة، الهادئة الهادفة، التي تثري الساحة بالفوائد العلمية، والتأصيلات السُنِّيَّة، فيهتدي المسترشد، وينقطع المبطل المُتَلَدِّد.
وقد سعينا في هذا الكتاب إلى تغطية مسائل مهمة في السجال السلفي الأشعري، ولم نقتصر على مبحث واحد من مباحث الاعتقاد، وإنما راعينا الشمول، مع العمق في الطرح، والعناية بعزو الأقوال إلى مظانها من كتب المتكلمين، ونقدها النقد العلمي الذي يبين أن منهج السلف هو المنهج الأعلم والأسلم والأحكم، وهو المنهج الواجب اتباعه، وأن كل من خرج عنه يقع في الابتداع.
سعينا أولًا إلى عرض مجموعة من القضايا في منهج التلقي والاستدلال، كالعلاقة بين العقل والنقل، والموقف من علم الكلام والمجاز، وفي الفصل الثاني تناولنا مسائل في توحيد الربوبية، مثل مسألة أول واجب على المكلف، وفطرية معرفة الله، لننتقل في الفصل الثالث إلى مناقشة قضايا خلافية بين أهل السنة والأشعرية في توحيد العبادة، حيث ناقشنا دعوى جناية أهل السنة على المتكلمين في مسألة توحيد الألوهية، وبينا عناية السلف في توحيد الألوهية من خلال عرض نموذج الإمام الطبري، وأما الفصل الرابع فقد خصصناه لتوحيد الربوبية، حيث تناول الكتاب مسائل مهمة خالف فيها الأشاعرة أهل السنة مثل إثبات صفة العلو، والصفات الاختيارية، أما الفصل الخامس والفصل السادس فقد تناولنا فيهما بالنقض أباطيل منسوبة للسلف كالقول بالتفويض، وكذلك عرضنا مسائل تاريخية وتحقيقات عامة في الخلاف السلفي الأشعري، كدعوى أن الأشاعرة هم الأكثرية، وتكلمنا عن تجهم الأشاعرة.
ونرجو أن يكون هذا الكتاب حلقة من سلسلة متكاملة في هذا الباب، سائلين الله النفع للجميع.
معالم المتشرعين
ر.س18.00ذكر الله في القرآن أنَّ الاتباع المبني على تضليل من الأكابر ستنقلب عداوة يوم القيامة، لكن معرفة أن البعض قد خدع المتبوعين لا تمكن إلا يوم القيامة، ومادام الإنسان في الحياة الدنيا، وزوده الله بالقوى العقلية التي تمكنه من النظر في الأدلة التي نصبها الله على الحق، فإنه في فسحة لأن يصحح أفكاره.
فالإنسان العاقل هو الذي يجعل حركاته وسكناته وفق دليل صحيح، فيجعل حياته كلها لله، بالطريقة التي يرضي الله، حتى لا يقع ضحية تقليدٍ أعمى، أو وهم صنعه مجتمه وبيئته، ومن ثمَّ حين يؤسس الإنسان دينه ومعتقده على دليلٍ صحيح فإنَّه لا ينزع إلى الشك، ولا تزعزعه الشبهات، بل ويعرف ويميز بين مراتب المعارف، فإذا جاء إلى المسائل الاجتهادية فإنه يدرك التفاوت بين مراتبها فيعذر ويسمح ويقبل وينفي التعصب المذهبي الذي هو نتيجة عدم طلب الدليل الصحيح والتأسيس عليه.
ولما كان أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية كانت طرائقهم في الاستدلال هي الجديرة بالسلوك والاعتماد، وأن يكون إليها الإرشاد في تصحيح الاعتقاد، فجاء هذا الكتاب يبين المسالك الاستدلالية النقلية، معرفا بمكانة الدليل النقلي، ومبينا أنواع المسالك الاستدلالية النقلية كنصوص الوحيين، والإجماع، وذاكرًا الأصول التي يراعيها أهل السنة والجماعة عند الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة.
وجمع الكتاب إلى الاستدلال النقلي: الاستدلال العقلي، فذكر مكانة الدليل العقلي عند أهل السنة والجماعة، وعرَّج على أنواع المسالك الاستدلالية العقلية كالاستدلال بالسبر والتقسيم، وقياس الأولى، والاستقراء، ثم ختم الكتاب بتقرير أن أهل السنة لا يعارضون الوحي بالعقل.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.